الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عاشور: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ}عطف على جملة: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} [يونس: 39] لأن الإخبار عن تكذيبهم بأنه دون الإحاطة بعلم ما كذبوا به يقتضي أن تكذيبهم به ليس عن بصيرة وتأمل.وما كان بهاته المثابة كان حال المكذبين فيه متفاوتًا حتى يبلغ إلى أن يكون تكذيبًا مع اعتقاد نفي الكذب عنه، ولذلك جاء موقع هذه الآية عقب الأخرى موقع التخصيص للعام في الظاهر أو البيان للمجمللِ من عدم الإحاطة بعلمه، كما تقدم بيانه في قوله: {بما لم يحيطوا بعلمه} [يونس: 39].فكان حالهم في الإيمان بالقرآن كحالهم في اتباع الأصنام إذ قال فيهم: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنًا} [يونس: 36]، فأشعر لفظ: {أكثرهم} بأن منهم من يعلم بطلان عبادة الأصنام ولكنهم يتبعونها مشايعة لقومهم ومكابرة للحق، وكذلك حالهم في التكذيب بنسبة القرآن إلى الله، فمنهم من يؤمن به ويكتم إيمانه مكابرة وعَداء، ومنهم من لا يؤمنون به ويكذبون عن تقليد لكبرائهم.والفريقان مشتركان في التكذيب في الظاهر كما أنبأت عنه (من) التبعيضية، وضمير الجمع عائد إلى ما عادت إليه ضمائر: {أم يقولون افتراه} [يونس: 38] فمعنى يؤمن به يصدق بحقيته في نفسه ولكنه يظهر تكذيبه جمعًا بين إسناد الإيمان إليهم وبين جعلهم بعضًا من الذين يقولون: {افتراه}.واختيار المضارع للدلالة على استمرار الإيمان به من بعضهم مع المعاندة، واستمرار عدم الإيمان به من بعضهم أيضًا.وجملة: {وربك أعلم بالمفسدين} معترضة في آخر الكلام على رأي المحققين من علماء المعاني، وهي تعريض بالوعيد والإنذار، وبأنهم من المفسدين، للعلم بأنه ما ذكر: {المفسدين} هنا إلاّ لأن هؤلاء منهم وإلا لم يكن لذكر: {المفسدين} مناسبة، فالمعنى: وربك أعلم بهم لأنه أعلم بالمفسدين الذين هم من زمرتهم. اهـ..قال الشعراوي: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)}والكلام هنا في الذين كذَّبوا، فكيف يقسِّم الله المكذبين وهم بتكذيبهم لا يؤمنون إلى قسمين: قسم يؤمن، وقسم لا يؤمن؟ ونحن نعلم أن الإيمان عمل قلوب، لا عمل حواس، فنحن لا نطَّلع على القلوب، والحق سبحانه يعلم مَنْ مِنْ هؤلاء المكذبين يخفي إيمانه في قلبه.إذن: فمن هؤلاء من يقول بالتكذيب بلسانه ويخفي الإيمان في قلبه، ومنهم من يوافق تكذيبه بلسانه فراغُ قبله من الإيمان، ومن الذين قالوا: إن هذا القرآن افتراء إنما يؤمن بقلبه أن محمدًا رسول من الله، وصادق في البلاغ عن الله، ولكن العناد والمكابرة والحقد يدفعونه إلى أن يعلن عدم الإيمان.وكذلك منهم قسم آخر لا يؤمن ويعلن ذلك.إذن: فالمقسم ليس هو الإيمان الصادر عن القلب والمعبِّر عنه باللسان، ولكن المُقسِّم هو إيمان بالقلب غير مُعبَّر عنه، ولم يصل إلى مرتبة الإقرار باللسان.والذي جعل إيمان بعضهم محصورًا في القلب غير مُعبَّر عنه باللسان هو الحقد والحسد والكراهية وعدم القدرة على حكم النفس على مطلوب المنهج.وبعض العرب حين أعلن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: لا إله إلا الله؛ فيضمن لهم السيادة على الدنيا كلها. ورفضوا أن يقولوا الكلمة؛ لأنهم يعلمون أنها ليست كلمة تقال: بل فهموا مضمون ومطلوب الكلمة، وعرفوا أن لا إله إلا الله تعني: المساواة بين البشر، وهم يكرهون ألاَّ تكون لهم السيادة والسيطرة في أقوامهم.وهذا يدل أيضًا على أن الحق سبحانه قد شاء أن يبدأ الإسلام في مكة، حيث الأمة التي تعلن رأيها واضحًا؛ ولذلك نجد أن النفاق لم ينشأ إلا في المدينة، أما في مكة، فهم قوم منسجمون مع أنفسهم، فهم حين أعلنوا الكفر لم يعانوا من تشتت المَلَكَات، لكن المنافقين في المدينة وغيرها هم الذين كانوا يعانون من تشتت الملكات، ومنهم من كان يلعب على الطرفين، فيقول بلسانه ما ليس في قلبه.ولذلك يُعزِّي الحق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ويُسَرِّى عنه وبين له: إياك أن تحزن لأنهم يكذبونك؛ لأنك محبوب عندهم وموقَّر، فيقول الحق سبحانه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33].أي: أنك يا محمد مُنزَّه عن الكذب؟ويقول الحق سبحانه: {ولكن الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].أي: أنه سبحانه يحملها عن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحق سبحانه يعلم أن رسوله أمين عند قومه، وهم في أثناء معركتهم معه، نجد الواحد منهم يستأمنه على أشيائه النفيسة.والذين آمنوا برسالته صلى الله عليه وسلم ولم يعلنوا إيمانهم، والذين لم يؤمنوا، هؤلاء وأولئك أمرهم موكول إلى الله تعالى؛ ليلقوا حسابهم عند الخالق سبحانه؛ لأنه سبحانه الأعلم بمن كذَّب عنادًا، ومن كذَّب إنكارًا.والحق سبحانه هو الذي يُعذِّب ويُعاقِب، وكل إنسان منهم سوف يأخذ على قَدْر منزلته من الفساد؛ لذلك يُنهي الحق سبحانه الآية بقوله: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين} [يونس: 40].والمفسد كما نعلم هو الذي يأتي إلى الشيء الصالح فيصيبه بالعطب؛ لأن العالَم مخلوقٌ قبل تدخُّل الإنسان على هيئة صالحة، وصنعة الله سبحانه وتعالى لم يدخل فيها الفساد إلا بفعل الإنسان المختار، وصنعة الله تؤدي مهمتها كما ينبغي لها.وأنت أيها الإنسان إن أردت أن يستقيم لك كل أمر في الوجود، فانظر إلى الكون الأعلى الذي لا دخل لك فيه، وستجد كل ما فيه مستقيمًا مصداقًا لقول الحق سبحانه: {والسماء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} [الرحمن: 79].أي: أتقِنوا أداء مسئولية ما في أيديكم وأحسنوه كما أحسن الله سبحانه ما خلق لكم بعيدًا عن أياديكم، والمطلوب من الإنسان إذن أن يترك الصالح على صلاحه، إن لم يستطع أن يزيده صلاحًا؛ حتى لا يدخل في دائرة المفسدين. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)}فأمَّا الذين آمنوا فهم الذين كَحَلَ الحقُّ أبصارَ قلوبهم بنور اليقين، والذين لم يؤمنوا فهم الذين وَسَمَ قلوبَهم بالعمي فزلُّوا- بالضلالة- عن الهُدَى.. تلك سُنَّةُ الله في الطائفتين، ولن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تحويلًا. اهـ..تفسير الآية رقم (41): قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما قسمتهم هذه الآية قسمين، وتليت بذكر القسم الثاني بالواو، عرف أنه معطوف على مطوى القسم الأول، فكان كأنه قيل: فإن صدقوك فقل: الله ولي هدايتكم ولي مثل أجوركم بنسبتي فيها فضلًا من ربي: {وإن كذبوك فقل} أي قول منصف معتمد على قادر عالم: {لي علمي} بالإيمان والطاعة: {ولكم عملكم} ما لأحد من ولا عليه من جزاء الآخر شيء؛ ثم صرح بالمقصود من ذلك بقوله محذرًا لهم: {أنتم بريئون مما أعمل} أي فإن كان خيرًا لم يكن لكم منه شيء وإن كان غيره لم يكن عليكم منه شيء: {وأنا بريء مما تعملون} لا جناح عليّ في شيء منه لأني لا أقدر على ردكم عنه؛ والبراءة: قطع العلقة الذي يوجب رفع المطالبة، ولا حاجة إلى ادعاء نسخ هذه الآية بآية السيف، فإنه لا منافاة بينهما، لأن هذه في رفع لحاق الإثم وهو لا ينافي الجهاد. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ}قيل فقل لي عملي الطاعة والإيمان، ولكم عملكم الشرك، وقيل: لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم.ثم قال: {أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِئ مّمَّا تَعْمَلُونَ} قيل معنى الآية الزجر والردع، وقيل بل معناه استمالة قلوبهم.قال مقاتل والكلبي: هذه الآية منسوخة بآية السيف وهذا بعيد، لأن شرط الناسخ أن يكون رافعًا لحكم المنسوخ، ومدلول هذه الآية اختصاص كل واحد بأفعاله وبثمرات أفعاله من الثواب والعقاب، وذلك لا يقتضي حرمة القتال، فآية القتال ما رفعت شيئًا من مدلولات هذه الآية فكان القول بالنسخ باطلًا. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي} رفع بالابتداء، والمعنى: لي ثواب عملي في التبليغ والإنذار والطاعة لله تعالى.{وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} أي جزاؤه من الشرك.{أَنتُمْ بريئون مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بريء مِّمَّا تَعْمَلُونَ} مثله؛ أي لا يؤاخذ أحد بذنب الآخر. وهذه الآية منسوخة بآية السيف؛ في قول مجاهد والكلبي ومقاتل وابن زيد. اهـ..قال أبو حيان: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} أي وإن تمادوا على تكذيبك فتبرأ منهم قد أعذرت وبلغت كقوله: {فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} ومعنى لي عملي أي: جزاء عملي ولكم جزاء عملكم.ومعنى عملي الصالح المشتمل على الإيمان والطاعة، ولكم عملكم المشتمل على الشرك والعصيان.والظاهر أنها آية منابذة لهم وموادعة، وضمنها الوعيد كقوله: {قل يا أيها الكافرون} السورة.وقيل: المقصود بذلك استمالتهم وتأليف قلوبهم.وقال قوم منهم ابن زيد: هي منسوخة بالقتال لأنها مكية، وهو قول: مجاهد، والكلبي، ومقاتل.وقال المحققون: ليست بمنسوخة، ومدلولها اختصاص كل واحد بأفعاله، وثمراتها من الثواب والعقاب، ولم ترفع آية السيف شيئًا من هذا.وبدأ في المأمور بقوله: {لي عملي} لأنه آكد في الانتفاء منهم وفي البراءة بقوله: {أنتم بريئون مما أعمل}، لأنّ هذه الجملة جاءت كالتوكيد والتتميم لما قبلها، فناسب أنْ تلي قوله: {ولكم عملكم}.ولمراعاة الفواصل، إذ لو تقدم ذكر براءة كما تقدم ذكر لي عملي لم تقع الجملة فاصلة، إذ كان يكون التركيب وأنتم بريئون مما أعمل. اهـ..قال أبو السعود: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ}{وَإِن كَذَّبُوكَ} أي إن استمروا على تكذيبك وأصروا عليه حسبما أُخبر عنهم بعد إلزامِ الحجةِ بالتحدي: {فَقُل لّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} أي تبرأ منهم فقد أعذرتَ كقوله تعالى: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّى بَرِئ} والمعنى لي جزاءُ عملي ولكم جزاءُ عملِكم حقًا كان أو باطلًا، وتوحيدُ العمل المضافِ إليهم باعتبار الاتحادِ النوعيِّ ولمراعاة كمالِ المقابلة: {أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِئ مّمَّا تَعْمَلُونَ} تأكيدٌ لما أفادته لامُ الاختصاص من عدم تعدّي جزاءِ العمل إلى غير عاملِه أي لا تؤاخَذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم، ولما فيه من إيهام المتاركةِ وعدم التعرضِ لهم قيل: إنه منسوخٌ بآية السيف. اهـ..قال الألوسي: {وَإِن كَذَّبُوكَ} أي أصروا على تكذيبك بعد الزام الحجة، وأول بذلك لأن أصل التكذيب حاصلًا فلا يصح فيه الاستقبال المفاد بالشرط، وأيضًا جوابه وهو قوله سبحانه: {فَقُل لّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} المراد منه التبرؤ والتخلية إنما يناسب الاصرار على التكذيب واليأس من الإجابة، والمعنى لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم كيفما كانا، وتوحيد العمل المضاف إليهم باعتبار الاتحاد النوعي ولمراعاة كمال المقابلة كما قيل، وقوله سبحانه: {أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِئ مّمَّا تَعْمَلُونَ} تأكيد لما أفاده لام الاختصاص من عدم تعدي جزاء العمل إلى غير عامه أن لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم، وعلى هذا فالآية محكمة غير منسوخة بآية السيف لما أن مدلولها اختصاص كل بأفعاله وثمراتها من الثواب والعقاب وآية السيف لم ترفع ذلك، وعن مقاتل، والكلبي، وابن زيد أنها منسوخة بها وكأن ذلك لما فهموا منها الأعراض وترك التعرض بشيء، ولعل وجه تقديم حكم المتكلم أولًا وتأخيره ثانيًا والعكس في حكم المخاطبين ظاهر مما ذكرناه في معنى الآية فافهم. اهـ..قال ابن عاشور: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ}لما كان العلم بتكذيبهم حاصلًا مما تقدم من الآيات تعين أن التكذيب المفروض هنا بواسطة أداة الشرط هو التكذيب في المستقبل، أي الاستمرار على التكذيب.وذلك أن كل ما تبين به صدق القرآن هو مثبِت لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أتى به، أي إن أصروا على التكذيب بعدما قارعتْهم به من الحجة فاعلم أنهم لا تنجع فيهم الحجج وأعلن لهم بالبراءة منهم كما تَبرؤوا منك.ومعنى: {لي عملي ولكم عملكم} المتاركة.وهو مما أجري مُجرى المثل، ولذلك بني على الاختصار ووفرة المعنى، فأفيد فيه معنى الحصر بتقديم المعمول وبالتعبير بالإضافة بـ: {عَملي} و: {عَمَلكم}، ولم يعبر بنحو لي ما أعمل ولكم ما تعملون، كما عُبر به بعد.والبريء: الخلي عن التلبس بشيءٍ وعن مخالطته.وهو فَعيل من بَرّأ المضاعف على غير قياس.وفعل بَرَّأ مشتق من برئ بكسر الراء من كذا، إذا خلت عنه تبعته والمؤاخذة به.وهذا التركيب لا يراد به صريحُه وإنما يراد به الكناية عن المباعدة.وقد جاء هذا المكنى به مصرحًا به في قوله تعالى: {فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} [الشعراء: 216]، ولذلك فجملة: {أنتم بريئون مما أعمل} إلى آخرها بيان لجملة: {لي عملي ولكم عملكم} ولذلك فصلت.وإنما عدل عن الإتيان بالعمل مصدرًا كما أتي به في قوله: {لي عملي ولكم عملكم} إلى الإتيان به فعلًا صلة ل: {ما} الموصولة للدلالة على البراءة من كل عمل يحدث في الحال والاستقبال، وأما العمل الماضي فلكونه قد انقضى لا يتعلق الغرض بذكر البراءة منه.ولو عبر بالعمل لربما توهم أن المراد عمل خاص لأن المصدر المضاف لا يعم، ولتجنب إعادة اللفظ بعينه في الكلام الواحد؛ لأن جملة البيان من تمام المبيَّن، ولأن هذا اللفظ أنسب بسلاسة النظم، لأن في (ما) في قوله: {مما أعمل} من المد ما يجعله أسعد بمد النَفَس في آخر الآية والتهيئة للوقف على قوله: {مما تعملون}، ولما في: {تعملون} من المد أيضًا، ولأنه يراعي الفاصلة. وهذا من دقائق فصاحة القرآن الخارجة عن الفصاحة المتعارفة بين الفصحاء. اهـ.
|